وروى مسلم في صحيحه من حديث عياض بن حصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى لي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و ويبغي أحد: قال القرطبي: التواضع الانكسار والتذلل وهو يقتضي متواضعا، فالمتواضع له هو الله تعالى؛ حين أمر الله بالتواضع له وللرسول والامام والعالم والوالد هذا التواضع الواجب المحمود الذي يرفع الله به صاحبه في الدارين، وأما التواضع لسائر الخلق، فالأصل فيهأانه محمود مندوب إليه ومرغب فيه إذا قصد به وجه الله تعالى، ومن كان كذلك رفع الله قدره في القلوب وطيب ذكره في الأفواه ورفع درجته في الآخرة. أما التواضع لأهل الدنيا ولأهل الظلم، فذاك الذي لا عز معه والخيبة التي لا رفعة معها، بل يترتب عليه ذل الآخرة وكل صفقة خاسرة، وقد ورد «من تواضع لغني لغناه ذهب ثلث دينه».
وروى أحمد والنسائي وغيرهما من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عزى عليكم بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا.
شـرح هذا الحديث
التعزي بعزاء الجاهلية مثل الدعاء بدعوى الجاهلية. قال في القاموس: وعزا إلى أبيه نسبه إليه، وعزا هو إليه نسبه واعتزى وتعزى انتسب. وفي المعنى اللغوي المتعزي، وهو من الانتساب. والانتساب على العربية: انتساب يراد به التعريف فهو مباح. وانتساب يراد به الافتخـار والتكبر أو التعريض بشخص آخر احتقارا له وتعاظما عليه أو طعنا في نسله وازدراء له فهذا المحرم المذموم الذي يجر إلى العصبية الجاهلية كما تقدم في حديث: إن الله قد أذهب كم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء الحديث. وقوله: أعضوه بهن أبيه، أي قولوا له على سبيل الاهانة والزجر، اعضض هن أبيك أي ذكره. وقوله: ولا تكنوا معناه صرحوا له باسم عضو أبيه، وهو الابر ولا تخاطبه بالكناية كالهن والفرج. وإنما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لأن التعصب للأنساب يدعو إلى التفرقة والعداوة ويوغر الصدور ويمنع التعاون والاتحاد والتعاضد الذي أمر الله به ولا تسعد أمة في دنياها وآخرتها إلا به. وكان من عادة العرب إذا أرادت أن تبالغ في أحد أن تخاطبه بمثل ذلك.
جريدة الميثاق: عدد 1 ذي الحجة 1382هـ موافق 25 ماي 1963م
أجزاء السلسلة:
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (1)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (2)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (3)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (4)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (5)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (6)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (7)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (8)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (9)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (الأخيرة)
